المقدمة :
الحمد لله وحده لا شريك له والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أضع بين يدي حضرتكم بحث كامل عن مدارس علم النفس
وقد أوردت فيه عن نشأة علم النفس ، واستقلال علم النفس عن الفلسفة وتحرره منها ، وكذلك الأساس الفلسفي لعلم النفس ، بالإضافة إلى ذكر عدد من فلاسفة اليونان والمسلمين ، واستعراض مبسّط ومختصر عن المدارس الأولى في علم النفس .
بالإضافة إلى عرض مفصل عن المدارس المهمة في علم النفس وهي : ( التحليلية – السلوكية – الإنسانية )
تعريف علم النفس :
علم النفس (باليونانية: Ψυχολογίαيعني “دراسة العقل والكلمة مشتقة من : ψυχήpsykhوتعني “النفس والروح” و-λογία-logia تعني “دراسة”) هو منهج أكاديمي وتطبيقي يشمل الدراسة العلمية لوظائف العقل البشري وسلوك الإنسان. إلى جانب استخدام الأسلوب العلمي أو معارضة استخدامه من حين لآخر، يعتمد علم النفس أيضًا على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي، ذلك على الرغم من أن هذين الأسلوبين لم يتم استخدامهما بالقدر نفسه في العلوم الاجتماعية، مثل علم الاجتماع. يدرس علماء النفس العديد من الظواهر، مثل الإدراك والمعرفة والانفعال والشخصية والسلوك والعلاقات الشخصية المتبادلة. في حين يدرس البعض الآخر من علماء النفس، وخاصةً علماء نفس الأعماق، العقل الباطن. يتم تطبيق المعرفة النفسية في العديد من المجالات المختلفة للأنشطة الإنسانية، بما في ذلك المشاكل المرتبطة بأمور الحياة اليومية، مثل الأسرة والتعليم والتوظيف، وفي كيفية حل مشكلات الصحة النفسية. حاول علماء النفس دراسة الدور الذي تلعبه الوظائف العقلية في كل من سلوك الفرد والمجتمع، وفي الوقت نفسه استكشاف العمليات الفسيولوجية والعصبية الخفية. يشمل علم النفس العديد من الدراسات والتطبيقات الفرعية المتعلقة بنواحي عدة بالحياة، مثل التنمية البشرية والرياضة والصحة والصناعة والإعلام والقانون. كما يشمل علم النفس الأبحاث التي يتم أجراؤها في مختلف مجالات العلوم، مثل العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية والإنسانية. ويعرف الشخص الدارس لعلم النفس أو المستخدم له باسم عالم نفسي.
الجذور الفلسفية والعلمية لعلم النفس
ترجع دراسة علم النفس في سياق فلسفي إلى الحضارات المصرية واليونانية والصينية والهندية القديمة. وقد بدأ علم النفس في اتخاذ أشكال علاجية وتجريبية أكثر من ذي قبل في عصر علماء النفس المسلمين وعلماء الطبيعة الذي ظهروا في القرون الوسطى وقاموا ببناء مستشفيات للعلاج النفسي. وفي عام 1802، ساعد العالم النفسي الفرنسي “بيير كابينس” في استكشاف علم النفس البيولوجي بالمقال الذي كتبه باسم Rapports du physique et du moral de l’homme والذي يتناول فيه العلاقات التي تربط بين الجانبين المادي والمعنوي بالإنسان. لقد اعتمد “كابينس” في وصفه للعقل البشري على ما تحصل عليه من معلومات من دراساته السابقة لعلم الأحياء وحاول إثبات أن الإحساس والروح من الخواص المرتبطة بالجهاز العصبي. وعلى الرغم من أن تاريخ التجارب النفسية يرجع إلى الفترة التي ظهر بها كتاب المناظر للعالم المسلم “ابن الهيثم” في عام 1021، فقد ظهر علم النفس كمجال تجريبي مستقل بذاته عام 1879. حدث ذلك عندما قام عالم النفس الألماني “ولهلم فونت” بإنشاء أول معمل متخصص في الأبحاث النفسية في جامعة “ليبزج” الألمانية، الأمر الذي جعله يعرف باسم “أبو علم النفس”. ويعتبر عام 1879 بذلك هو عام ولادة علم النفس وظهوره للنور. وقد أصدر الفيلسوف الأمريكي “وليم جيمس” كتابه الذي يعتبر نواة تطور هذا العلم ويحمل اسم Principles of Psychology عام 1890 [6] وقد وضع بهذا الكتاب أسس العديد من الأسئلة التي سيركز علماء النفس على إيجاد إجابات عنها في السنوات التالية لصدور الكتاب. ومن الشخصيات المهمة الأخرى التي كانت لها إسهامات في المرحلة الأولى لهذا العلم “هيرمن إبنجهاوس” (1850-1909) وهو من رواد مجال الدراسات التجريبية المتعلقة بذاكرة الإنسان والتي أجريت في جامعة برلين. هذا إلى جانب عالم النفس الروسي “إيفان بافلوف” (1849-1936) الذي بحث عملية التعلم التي يشار إليها الآن باسم نظرية الارتباط الشرطي الكلاسيكية .
التحليل النفسي
قد قام طبيب الأمراض العصبية النمساوي “سيجموند فرويد” منذ فترة التسعينيات بالقرن التاسع عشر وحتى وفاته عام 1939 بتأسيس أسلوب العلاج النفسي المعروف باسم التحليل النفسي. اعتمد “فرويد” بشكل كبير في فهمه للعقل البشري على الأساليب التفسيرية واستكشاف المشاعر والأفكار الخفية (الاستبطان) والملاحظات الإكلينكية. وقد ركز بشكل خاص على حل الصراع الذي يحدث في العقل الباطن والتخلص من حالة التوتر العقلي، كما ركز على علم النفس المرضي. وقد ذاع صيت نظريات “فرويد” في علم النفس، ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى تناولها لموضوعات، مثل الجنس والكبت والعقل الباطن على أنها من الجوانب العامة للتطور النفسي. كانت تعتبر تلك الموضوعات من المحظورات التي لا يمكن الاقتراب منها أو التحدث عنها، ولكن “فرويد” نجح في تناولها وشرحها بطريقة لائقة ومهذبة. لقد عُرف “فرويد” بتقسيمه للعقل البشري إلى ثلاثة أجزاء تأتي على هذا الترتيب ألهذا والأنا والأنا الأعلى ونظرياته عن عقدة أوديب. ولكن إسهاماته التي ستظل باقية أبد الدهر في هذا العلم لا تتمثل فيما اشتملت عليه النظريات التي قام بإرسائها فيه ولا على تقسيمه للعقل البشري على النحو السابق الإشارة إليه، بل بالابتكارات التي جاء بها في المجال الإكلينيكي لعلم النفس، مثل أسلوب التداعي الحر واهتمامه بتفسير الأحلام على أسس تحليلية .
لقد كان لفكر وآراء “فرويد” بالغ الأثر على الطبيب النفسي السويسري “كارل جانج” والذي أصبح علم النفس التحليلي الذي أبتكره هذا الطبيب بديلاً لعلم نفس الأعماق. ومن بين المفكرين الذين ذاع صيتهم في مجال التحليل النفسي في منتصف القرن العشرين “آنا فرويد” ابنة “سيجموند فرويد” و”إيريك إيريكسون” عالم النفس الألماني – الأمريكي و”ميلاني كلين” المحللة النفسية الأسترالية – الإنجليزية والمحلل النفسي والطبيب “دي دبيلو وينيكوت” وعالمة النفس الألمانية “كارين هورني” وعالم النفس والفيلسوف الألماني “إيريك فروم” والطبيب النفسي الإنجليزي “جون باولباي”. يشتمل مجال التحليل النفسي الحديث على عدد من المدارس الفكرية المختلفة والتي تشتمل بدورها على علم نفس الأنا والعلاقات الموضوعية والعلاقات الشخصية المتبادلة وأسلوب التحليل النفسي للعالم “لاكان” والتحليل النفسي المرتبط بالعلاقات. وقد أدى تعديل نظريات “جانج” إلى ظهور النموذج البدائي والمدارس المنهجية للفكر النفسي. حاول الفيلسوف النمساوي – البريطاني “كارل بوبر” إثبات أن نظريات “فرويد” في مجال التحليل النفسي تم تقديمها بطريقة غير معتمدة على التجربة والاختبار. تعتمد أقسام علم النفس في الجامعات الأمريكية اليوم على التوجه العلمي وتم تهميش فكر “فرويد” ونظريته والنظر إليها على أنها ابتكار تاريخي عفا عليه الزمن، وذلك استنادًا إلى الدراسة التي أجرتها مؤخرًا الجمعية الأمريكية للطب النفسي. ومع ذلك، قام مؤخرًا عالم الأعصاب الجنوب أفريقي “مارك سولمز” وغيره من الباحثين في المجال الطبي الجديد الذي يحمل اسم التحليل النفسي العصبي بالدفاع عن بعض الأفكار التي جاء بها “فرويد” مستندين على أسس علمية، مشيرًا إلى تكوينات المخ التي ترتبط بمفاهيم “فرويد”، مثل اللبيدو (الشهوة الجنسية) والدوافع والعقل الباطن (اللاشعور) والكبت .
المدرسة السلوكية
يرجع ظهور المدرسة السلوكية من ناحية إلى انتشار معامل الأبحاث التي تجري تجاربها على الحيوانات، ومن ناحية أخرى كرد فعل لظهور علم النفس الدينامي على يد “فرويد” والذي كان من الصعب اختباره على نحو تجريبي، ذلك لأنه يميل إلى الاعتماد على دراسات الحالة والتجارب الإكلينيكية وتعامل بصورة موسعة مع الظواهر النفسية الداخلية التي كان من الصعب تعريفها أو تحديدها بطريقة عملية. علاوة على ذلك، وعلى النقيض من الطريقة التي استخدمها علماء النفس الأوائل “ولهلم فونت” و”وليم جيمس” اللذان درسا العقل اعتمادًا على أسلوب الاستبطان، فقد جاء علماء المدرسة السلوكية ليثبتوا بالبرهان أن ما يحويه العقل البشري ليس متاحًا للفحص والتدقيق العلمي وأن علم النفس العلمي يجب أن يهتم فقط بدراسة السلوك الذي يخضع للملاحظة (السلوك الظاهري). لم يكن هناك اهتمامًا بالتمثيل الداخلي أو العقل. لقد ظهرت المدرسة السلوكية في أوائل القرن العشرين على يد عالم النفسي الأمريكي “جون بي واطسن” ليأتي من بعده عدد من علماء النفس الأميركيين الذين أكدوا عليه وعملوا على انتشاره، مثل “إدوارد ثورندايك” و”كلارك إل هال” و”إدوارد سي تولمان” ومن بعدهم “بي إف سكنر".
تختلف المدرسة السلوكية عن غيرها من المدارس النفسية لعدة أسباب. يركز علماء المدرسة السلوكية على العلاقات بين البيئة وسلوك الإنسان وتحليل السلوك الظاهري والسلوك المستتر (الباطني) على أنه وظيفة الكائن الحي في التفاعل مع بيئته. ولا يرفض هؤلاء العلماء دراسة الأحداث الظاهرة أو المستترة (مثل، الأحلام)، ولكنهم يرفضون الافتراض القائم على وجود كيان مستقل وعرضي داخل الكائن الحي هو الذي يتسبب في السلوك الظاهري (مثل، الكلام والمشي) أو السلوك المستتر (مثل، الأحلام والتخيل). إن بعض المصطلحات، مثل “العقل” أو “الوعي” لا يستخدمها علماء المدرسة السلوكية؛ حيث أنها لا تصف أحداثًا نفسية فعلية (مثل، التخيل) ولكنهم يستخدمونها على أنها كيانات وصفية توجد بصورة خفية في الكائن الحي. بل على العكس، يتعامل هؤلاء العلماء مع الأحداث الخاصة مثل السلوك ويعملون على تحليلها بالطريقة نفسها التي يحللون بها السلوك الظاهري. ويشير السلوك إلى أحداث مادية يمر بها الكائن الحي والتي تكون ظاهرية أو خاصة. يعتبر العديدون البحث النقدي للعالم اللغوي الأمريكي “ناعوم تشوميسكي” الذي تناول فيه نموذج علماء المدرسة السلوكية الخاص باكتساب اللغة على أنه السبب الأساسي في تراجع وتدهور الشهرة العارمة التي حظت بها المدرسة السلوكية. [10] ولكن المدرسة السلوكية التي أسسها “سكنر” لم تمت وتندثر من الوجود، وربما يرجع السبب في ذلك إلى قيامه بتطبيقات عملية ناجحة. وعلى الرغم من ذلك، فقد ساعد انتشار شهرة المدرسة السلوكية على أنها نموذج مهم ورئيسي من فروع علم النفس في إيجاد نموذج جديد غاية في القوة وهو الاتجاهات المعرفية.
علم النفس الإنساني والوجودي
لقد تطور علم النفس الإنساني في فترة الخمسينيات من القرن العشرين كرد فعل لظهور المدرسة السلوكية والتحليل النفسي. وباستخدام علم نفس الظواهرتية والذاتية المتبادلة وصيغ المتكلم التي تعبر عن الأنا والذاتية، حاول أسلوب علم النفس الإنساني إلقاء نظرة خاطفة على الإنسان ككل وليس على مجرد جوانب من شخصيته أو الوظائف المعرفية.ركز علماء علم النفس الإنساني على القضايا الإنسانية غير العادية والقضايا الأساسية للحياة، مثل الهوية الشخصية والموت والشعور بالوحدة والحرية ومعنى الحياة. هناك العديد من العوامل التي تميز بين أسلوب علم النفس الإنساني وغيره من الأساليب المومجودة في علم النفس. تشتمل هذه العوامل على التأكيد على معنى الذات ورفض الجبرية والاهتمام بالنمو الإيجابي للذات بدلاً من علم الباثولوجي (علم الأمراض). يعد عالم النفس الأمريكي “أبراهام ماسلو” واحدًا من مؤسسي النظريات التي قامت عليها هذه المدرسة الفكرية والذي رتب حاجات الإنسان في صورة تسلسل هرمي. كما يوجد “كارل روجرز” الذي قام بإنشاء وتطوير أسلوب العلاج النفسي المتمركز حول المريض والطبيب النفسي الأماني – الأمريكي “فريتز بيرلز” الذي ساعد في إيجاد وتطوير طريقة العلاج الجشطالي (Gestalt Therapy). لقد أصبحت طريقة العلاج هذه غاية في الأهمية والتأثير لدرجة أنه أطلق عليها اسم “القوة الثالثة” في علم النفس والمدرسة السلوكية والتحليل النفسي.
نتيجة التأثر الشديد بما توصل إليه الفيلسوف الألماني “مارتن هيدجر” والفيلسوف الدنمركي “سورين كيركجارد”، ظهر على يد عالم النفس الأمريكي “رولو ماي” – الذي تدرب على استخدام التحليل النفسي – في فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين فرعًا جديدًا من علم النفس يعتمد على التحليل الوجودي. حاول علماء النفس الوجوديون إثبات أن البشر لا بد أن يسلموا بفكرة أنهم فانون وأن تسليمهم بهذه الفكرة سيجعلهم يتقبلون فكرة أنهم أحرار. ومن ثم، سيملكون إرادة حرة وحرية الدفاع عن آمالهم ومعتقداتهم بالحياة ليشكل بها كل واحد منهم شخصيته وطريقه الهادف في الحياة. لقد اعتقد “ماي” أنه من أهم عناصر عملية صنع هدف أو معنى بالحياة هو البحث عن النماذج الأسطورية أو المثالية التي يمكن للمرء الاقتضاء بها.ووفقًا للفكر الوجودي، لا يأتي البحث عن الهدف من مجرد قبول فكرة الفناء، ولكن من الممكن أن يلقي العمل على تحقيقه بظلاله أيضًا على فكرة الموت وتوقع حدوثه في أي وقت. وهذا ما أشار إليه الطبيب النفسي الوجودي النمساوي الجنسية “فيكتور فرانكل”، أحد الناجين من المحرقة النازية (الهولوكوست): “إننا – نحن – الذين عشنا في معسكرات الاعتقال نستطيع تذكر الرجال الذين كانوا يسيرون بين الأكواخ ليبثوا بين ساكنيها مشاعر المواساة ويقدموا لهم آخر ما يتملكونه من طعام. وعلى الرغم من قلة عدد هؤلاء الرجال، فإنهم قدموا دليلاً قاطعًا على أن الإنسان قد يسلب منه كل شيء إلا شيء واحد ألا وهو اختياره للموقف الذي سيتخذه في ظل أية مجموعة من الظروف واختياره لطريقه بالحياة”. لقد كان “ماي” من أوائل الذين ساعدوا في تطوير العلاج الوجودي، كما قام “فرانكل” بابتكار شكل جديد لهذا الأسلوب العلاج اسماه logotherapy والذي يعني أيضًا العلاج الوجودي. وإلى جانب كل من “ماي” و”فرانكل”، هناك المحلل النفسي السويسري “لودفيج بينسوانجر” والعالم النفسي الأمريكي “جورج كيلي” اللذان يمكن القول إنهما ينتميان للمدرسة الوجودية.وقد سعى علماء النفس الذين ينتمون إلى كل من المدرسة الوجودية والمدرسة الإنسانية إلى إثبات أنه لا بد للناس من الكفاح للوصول إلى كامل الإمكانات الموجودة بداخلهم. وفي حين اعتقد علماء النفس من المدرسة الإنسانية أن هذا النوع من الكفاح يعد أمرًا فطريًا، فإن علماء النفس الذين ينتمون إلى المدرسة الوجودية رأوا أن هذا الكفاح يأتي بعد شعور القلق أو الحصر النفسي الناتج عن التفكر في موضوعات، مثل الفناء والحرية والمسئولية .
المدرسة المعرفية
لقد احتلت المدرسة السلوكية مركز الصدارة في مجال دراسة علم النفس في أمريكا على مدار النصف الأول من القرن العشرين. أما اليوم، أصبح علم النفس المعرفي هو الفرع المسيطر على مجال الدراسة بهذا العلم. لقد كان انتقاد “تشوميسكي” عام 1959 لما كتبه “سكنر” في Verbal Behavior بمثابة تحدي لأساليب علماء النفس السلوكيين في دراسات السلوك واللغة التي ذاع صيتها في ذلك الوقت وساهمت في ظهور الثورة المعرفية كفرع جديد من فروع علم النفس. لقد انتقده “تشوميسكي” بشدة لما اعتبره مفاهيم اعتباطية تحمل أسماء “المثير” و”الاستجابة” و”التعزيز” والتي استعارها “سكنر” من التجارب المعملية التي أجراها على الحيوانات. حاول ” تشوميسكي” إثبات أن مفاهيم “سكنر” قد يمكن تطبيقها على السلوك البشري المعقد فقط، مثل اكتساب اللغة، ولكن بطريقة غير واضحة وسطحية. لقد أكد ” تشوميسكي” على أن البحث والتحليل لا بد ألا يتجاهلا الدور الذي يلعبه الطفل في عملية اكتسابه اللغة وتعلمها وسلم بأن الإنسان يولد ولديه قدرة طبيعية على اكتساب اللغة. إن ما قدمه العالم النفسي “ألبرت باندورا” الذي أرسى نظرية التعلم الاجتماعي أظهر أن الأطفال يمكن أن يتعلموا العدوانية من خلال التعلم القائم على الملاحظة لمثال حي لها دون حدوث أي تغيير في سلوكهم الظاهري، وهو أمر لا بد من وضعه في الحسبان من خلال العمليات الداخلية.
مع ظهور علوم الحاسب الآلي والذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر المناظرات بين طريقة الإنسان في معالجة المعلومات وطريقة الآلات. وقد أدى هذا التناظر، إضافة إلى الافتراضات التي تعتمد على وجود التمثيل العقلي وأنه يمكن الاستدلال على الحالات العقلية والعمليات من خلال التجربة العلمية في المعامل، إلى ظهور علم النفس المعرفي كنموذج مبسط ومشهور لدراسة العقل. هذا بالإضافة إلى أن هدف الحصول على فهم أفضل للعمليات العسكرية منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية دعم الأبحاث التي أجريت في مجال المعرفة. يختلف علم النفس المعرفي عن غيره من فروع علم النفس في نقطتين أساسيتين. أولاً، إنه يقبل باستخدام الطريقة العلمية ويرفض بشكل عام أسلوب الاستبطان كطريقة للفحص والبحث، ذلك على عكس الأساليب التي تركز على الرمزية، مثل علم النفس الدينامي الذي يرجع أصله إلى “فرويد”. ثانيًا، إنه يقر بشكل صريح بوجود حالات عقلية داخلية، مثل الإيمان والرغبة والدافع، وهو أمر لا تقره المدرسة السلوكية. وفي الواقع، اهتم علماء علم النفس المعرفي – مثلهم مثل “فرويد” وعلماء نفس الأعماق – بدراسة ظاهرة العقل الباطن التي تتضمن الكبت. ولكن فضل علماء علم النفس المعرفي استكشاف هذه الظواهر اعتمادًا على العناصر التي يتم تحديدها بشكل عملي، مثل العمليات التي تحدث تحت عتبة الإدراك وفي الذاكرة الضمنية والتي يسهل فحصهم بشكل تجريبي. علاوة على ذلك، عكف علماء علم النفس المعرفي على دراسة هذه العناصر لشكهم في وجودها. فعلى سبيل المثال، استخدمت عالمة النفس الأمريكية “إليزابيث لوفتس” الأساليب التجريبية لتوضيح الطرق التي يمكن بها إخراج الذكريات بواسطة الإبداع بدلاً من العمل على إخراجها عن طريق التخلص من الكبت. وقبل ظهور الثورة المعرفية في علم النفس بعقود طويلة، كان “هيرمن إبنجهاوس” أول من استخدم الطريقة التجريبية في دراسة الذاكرة وسعى إلى إثبات أن العمليات العقلية العليا ليست خفية، بل ويمكن دراستها
بالأسلوب التجريبي. أصبحت الروابط التي تصل بين النشاط النفسي والعقل ووظيفة الجهاز العصبي مفهومة ويرجع الفضل في ذلك بشكل جزئي إلى التجارب التي أجراها عدد من العلماء، مثل “تشارلز شيرينجتون” العالم الأمريكي المختص بدراسة الجهاز العصبي والعالم النفسي الكندي “دونالد هيب”. في حين أن باقي الفضل يرجع إلى الدراسات التي أجريت على الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات في المخ. لقد تم استكشاف ودراسة العلاقات التي تربط بين العقل والجسد بشكل مفصل بواسطة علماء النفس المعنيين بدراسة الروابط العصبية المعرفية. وبالتطور الذي طرأ على تقنيات قياس وظائف المخ، شهد كل من علم النفس العصبي وعلم دراسة الجهاز العصبي المعرفي نشاطًا متزايدًا في البحث والدراسة في علم النفس الحديث. أصبح علم النفس المعرفي فرعًا من الفروع التي تقع تحت مظلة العلوم المعرفية والتي منها فلسفة العقل وعلوم الحاسب الآلي وعلم دراسة الأعصاب .
المدارس الفكرية
طالبت العديد من المدارس الفكرية بوجود نموذج معين لاستخدمه كنظرية إرشادية يساعد في شرح كل أو غالبية السلوك الإنساني. ولقد لاقت هذه المدارس فترات من الازدهار والنجاح وأخرى من التضاؤل والانحصار على مر العصور. قد يعتقد بعض علماء النفس أنهم تلامذة لمدرسة فكرية بعينها ويرفضون المدارس الأخرى، ذلك على الرغم من أن الغالبية العظمى منهم يعتبرون أن كل مدرسة فكرية تحمل أسلوبًا من أساليب التعرف على العقل وفهمه وليس من الضروري أن كل مدرسة تمتلك نظريات خاصة بها لا يمكن جمعها مع نظريات المدارس الأخرى. واعتمادًا على الأسئلة الأربعة التي طرحها “تينبرجن”، يمكن وضع إطار عمل يضم كل مجالات البحث في علم النفس (بما في ذلك البحث في مجال علم الأنثروبولوجي والعلوم الإنسانية) .
وفي العصور الحديثة، تبنى علم النفس نظرة شاملة ومتكاملة في فهم الوعي والسلوك والتفاعل الاجتماعي. ويتم الإشارة إلى هذه النظرة عمومًا على أنها النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي. إن الفكرة الأساسية القائم عليه النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي هو أن أية عملية عقلية أو سلوكية تؤثر وتتأثر بعوامل اجتماعية ونفسية وبيولوجية تتداخل مع بعضها بطريقة ديناميكية.يشير الجانب النفسي إلى الدور الذي تلعبه كل من المعرفة والانفعالات في أية ظواهر نفسية، مثل تأثير المزاج الشخصي ومعتقدات وتوقعات الشخص على رد فعله تجاه حدث ما. أما الجانب البيولوجي ، فيشير إلى الدور الذي تلعبه العوامل البيولوجية في الظواهر النفسية، مثل تأثير بيئة فترة ما قبل الولادة على نمو العقل والقدرات المعرفية للشخص أو تأثير الجينات على ميول الشخص. في حين يشير الجانب الثقافي الاجتماعي إلى الدور الذي تلعبه كل من البيئة الاجتماعية والثقافية في ظاهرة نفسية محددة، مثل تأثير الآباء أو الأقرآن على سلوكيات أو سمات الشخص .
الأساس العلمي لعلم النفس
بعد الثورة الفرنسية التي غيرت في الحياة الأوروبية والتي أدت إلى الخروج عن سيطرة الكنيسة أدى ذلك إلى تطور مناهج البحث العلمي فظهر منهم العالمان ” جاليليو- نيوتن ” اللذان ذهبا ضحية بطش وتسلط رجال الكنيسة وغيرهم من رجال العلم والمعرفة ، مما دفع بالكثير من المهتمين بالنفس الإنسانية إلى التفكير فيها بطريقة علمية .
ومع بداية القرن التاسع عشر تقدمت الأبحاث العلمية كأبحاث ” مولير ” على الجهاز العصبي ، و “هلمهولتز ” على فسيولوجيا البصر و ” فكنر ” على الإحساس البصري و “ارنيست فيبر ” على العتبة الحسية ، كل الدراسات السابقة مهدت لظهور أول معمل لعلم النفس للعالم ” فونت ” وهو ما يعرف بــ” معمل فونت ” والذي أثمر عن استقلال علم النفس عن الفلسفة .
وفي العصر الحديث كان لنظرية ” التطور ” الأثر الأكبر في اغلب فروع العلم ، وهي تقوم على افتراض وجود أساس لكل سمة حيث تنمو الأجزاء الجديدة من أصل مغاير إلى أن يكتمل نمو الأجزاء فتكون كل أو وحدة منها فاعلة مغايرة في تركيبها وفاعليتها .
ومما سبق عرضه فإن علم النفس علم كباقي العلوم لم ينشأ من فراغ ، بل يمثل استمرارية متطورة للمعرفة الإنسانية ، بدءً بالتراث الفلسفي القديم حتى فلسفة عصر النهضة ، هذا وقد كان علم النفس جزءً من الفلسفة قبل أن يكون علماً مستقلاً ، ويعتبر آخر العلوم المستقلة عنها حتى أن عمره كعلم لا يزيد عن قرن من الزمان .
علم النفس عند اليونانيون
إن علم النفس قديم قدم تأمل الإنسان في ذاته واستشعاره بوجوده ، وقد اعتمد الإنسان منذ قديم الأزل على البيئة وما فيها من كائنات وظواهر أثارت اهتمامه وجعلته يتساءل عن الظواهر الطبيعية مثل : الرياح ، العواصف ، المطر ، الحر ، البرد ، الزلازل ، البراكين .
وحتى أنه تساءل عن الظواهر الإنسانية مثل : الميلاد والموت ، وبالتالي قاد الإنسان إلى التأمل في ذاته ، وهذا التأمل في الذات هو الذي ساد جميع الحضارات القديمة جميعا ، ولكن الحضارة اليونانية أثارت الدهشة والإعجاب في جانبها العقلي والفلسفي خاصة ، ويعتبر اليونانيون هم الذين اخترعوا الفلسفة والعلم ، وتقدموا على المصريون والبابليون الذين سبقوا اليونانيون ولكن في المعرفة العملية فقط ، بينما الاستدلال القياسي والبرهان الهندسي فهو اختراع يوناني .
أهم علماء النفس المعاصرين
* الفريد أدلر :
عالم نفسي أمريكي مؤسس مدرسة علم النفس الفردي. اهتم بالنظريات المتناقضة التي قدمها فرويد.اسس عددا من عيادات ارشاد الأطفال. ازدادت شهرته بأن افكاره تتضمن العديد من التطورات في نظرية الشخصية والعلاج النفسي.
من أهم مؤلفاته:
( الموضع المادي للعمليات النفسية ) .
( دور اللاشعور في العصاب ) .
( تربية الأطفال ) .
(علم النفس الفردي ) .
* الفريد بينيه:
عالم نفسي فرنسي ، طور أول إختبار قياسي للذكاء ، أول بحث له نشر هو “علم النفس الادراكي"
اتبعه ببحوث عن التنويم الإيحائي والمغناطيسي والتغيرات المرضية في الشخصية .
*تشارلز ادوارد اسبيرمن:
عالم نفس بريطاني ، لم يكن عالماً تجريبياً ، له نظرية في ترابط الذكاء .
من أهم مؤلفاته:
( طبيعة الذكاء وميادين المعرفة )
( قدرات الانسان )
وبالتوفيق
=)