تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تقرير / بحث / عن الثقافة والتراث -مناهج الامارات

تقرير / بحث / عن الثقافة والتراث -مناهج الامارات 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

إذا كان لكل أمة تراث تعتز به وترجع إليه ، فإن تراثأمتنا العربية عميق الجذور ، فهو يرتبط في منبعه بالأصالة وفي امتداده بالرواية ،وهو بذلك من أهم مصادر ثقافتنا .
ويشكل المد الثقافي عندنا أهمية بارزة في الهوّية العربية بحكمأنها تستمد جذورها عبر قرون طويلة من تاريخ الأمة العربية مما يدفعها للمحافظة علىجذورها الممتدة في أعماق تاريخها المرتبطة بمفرداتها وعناصرها المتجذرة في أصولها ،المواكبة لمكانتها بين الأمم التي تستلهم ماضيها المشرق ولا تنسى حاضرها المؤسف ،وتتطلع إلى مستقبل أفضل من الحاضر ، يواكب طموحات الأجيال المتطلعة إلى حياة أفضلومجال أرحب في مجال ثقافة أوسع على مستوى التقدم الباهر في هذا العصر .
ولا يعني الاهتمام بمسايرة العصر أن ندير ظهورنا لماضينا العلميوالفكري ونلهث وراء كل جديد معاصر ، ولو أنه لا يحقق لنا نتيجة ولا يضيف إلىثقافتنا ما يفيد ، فليس المهم الركض خلف كل مستحدث لحداثته ، حتى لو لم يكن وراءهجدوى ، وإنما الأهم الأخذ من القديم أو الحديث بقدر ما يضيف إلى رصيدنا الفكري مايدعمه ، وإلى مجالنا العلمي ما يعزره .
ومن الملاحظ في مسارنا العصري أننا نجد متابعة تقليدية لكل مايصدر عن الأجنبي ، ولو كان لا يلتقي مع توجهاتنا ولا يزيد رصيدنا ، وأبرز هذهالمتابعات ما نلمسه في التحولات الفكرية والمسارات الثقافية ، وقد تنطوي تلكالتحولات على شطحات ، ربما امتدت إلى ماله مساس بثوابتنا وجور على قيمنا ، والسببفي ذلك يكمن في ازدراء بعضنا لتراثنا وتجاهل أصولنا وموروثاتنا ، والتطلع إلى مالدى الغرب، ولو كان من مخلفات الماضي السحيق مما يرجع إلى تراث اليونان والرومان ،فما نقل إلينا من مواريث تلك الأمم البائدة فهو المستحسن في نظر المبهورين منا بمايصدره الغرب إلينا مما يعده من مقومات تراثه ، وما يتصل بتراثنا فإنه لا يستثيرنخوتنا العربية للاهتمام به والتعرف عليه، وذلك يتمثل في الانقياد غير المبرر لكل مايصدر عن الأمم الغربية ، حتى لو كان مخالفًا لمفاهيمنا ومختلفًا مع أصالة تراثنا،على الرغم من توافر الإبداع فيما خلفه أسلافنا من فنون القول ومجالات العلوموالآداب.
إلا أن بعض المنظّرين من المفكرين العرب المحدثين نسي مآثرالأسلاف في حماسة التلقي عما يصدر عن الغرب ، ومن أولئك المنظرين من أنكر أن يكونفي أدبنا روايات طويلة أو قصص قصيرة ، وأن هذا اللون من الآداب لم يكن له أي ظلالفي تراثنا ، ولم تعرف آدابنا إلا ما أخذناه من أدباء غربيين ابتكروا هذا الإنتاجوأبدعوا فيه، ومرد هذا التصور إلى الزهد في الاطلاع على المراجع التراثية فيثقافتنا، ولو أن الذين قالوا بتجريد تراثنا من جميع الفنون المستحدثة التفتوا إلىهذا التراث – كما التفت الغربيون إلى تراث من قبلهم – ومنحوه بعض اهتمامهم لوجدواأن أسلافنا قد سبقوا الغربيين إلى التنويع في العطاء الأدبي ، فابتكروا في مجالالرواية والقصة ووضعوا الإرهاصات لهذا الفن الأدبي ، حيث ملامح هذا الفن الروائيلدى أبي العلاء المعري في (رسالة الغفران) التي تأثر بها دانتي في روايته التيتماثل (رسالة الغفران) والتي سماها (الجحيم).. كما نجد الملمح الآخر في رواية"روبنسن كروز " الذي ذكر كثيرون من كبار الكتاب أنها مقتبسة من " حي بن يقظان "لابن طفيل .. وتبدو ملامح القصة واضحة في مقامات بديع الزمان الهمداني ومقاماتالحريري ، وإن جاء منحاهما لتأصيل اللغة العربية وإثراء مفرداتها ، فقد جاء علىمنوال الحكاية التي تمثل إرهاصًا لبناء القصة وتأصيلها في بداية تكوينها الفني .
ومن قبل ذلك حفل الشعر العربي منذ استهلاله في العصر الجاهلي وعلى امتداد العصور التالية له بملامح هذا اللون القصصي ، فلماذا نتنكر لماضينا ،ونتجاهل تلك الملامح ؟ !! فإنها مهما كانت خافتة في البداية فهي تمثل بوادر مبكرة في عالم الرواية والقصة – ؟!
فهل من مقتضى الانبهار بالطفرة الحضارية هو أنيهون تراثنا علينا الذي انصرفنا عنه تحت وطأة التهوين منه والتهويل لتراث الآخرين؟!
وذلك ما دعا إلى وضع حاجز نفسي بيننا وبين رؤيتنا الواقعيةلتراثنا الثقافي ، وإذا كانت هذه نظرة بعضنا إلى هذا التراث في ظل الانبهار بتراثالآخرين ، فقد استطاع صوت أسلافنا أن يعبر القرون ، وأن يحمله الأثير المتجدد إلىالعالم في شكل عطاء علمي وثقافي ، وقد كان ذلك التراث بمثابة غذاء فكري وعطاءتنويري .
وإذا كان من المفيد أن ننفتح على الثقافات الأخرى جميعها علىمختلف أنواعها على أساس أن المعرفة العلمية والثقافة بمفهومها العام قاسم مشتركللبشرية يستفيد منها الجميع ، فإننا نجد الغربيين قد استفادوا من إنتاج علمائناومفكرينا ، فدرسوا مؤلفاتهم في بدايات النهضة المعاصرة واقتبسوا كثيرًا من الأفكاروالدراسات، ونحن على هذا المنوال نسترد الدين فيما نأخذ عنهم دون إخلال بنسق الحياةعندنا، ودون أن يحجب ذلك رؤيتنا الصادقة لمآثر أسلافنا وأمجاد ماضينا .
ولو استطاع العرب أن يتجاوزوا ضعفهم ويتخلوا عن التفرق بينهم الذييكرس هوانهم ، وأن يغيروا الصورة الهامشية التي رسمها الغرب لهم والتي يعيشونها فيحاضرهم ، لكان بإمكانهم تجديد حيويتهم واستنهاض هممهم و استنفار طاقاتهم ، وبهذاالتوجه الحيوي ينتظمون في ركب التقدم الذي تخلفوا عنه مسافات طويلة تقدمتهم مجموعاتمن الأمم المعاصرة بملايين الأميال ، وهم شبه نائمين استطابوا الكسل فقنعوا منالحياة بالعيش على هامشها ، واكتفوا من التقدم باستغلال وسائله دون المشاركة في العمل والإنتاج .
وواقع الحال هذا مخالف للدين الذي يأمرهم بالعمل ويدعوهم إلىاليقظة ويحفزهم للتقدم ، كما أن ذلك مضاد لنهج التراث الذي ورثوه عن أسلافناالسابقين الذين كانت لهم مناراتهم العلمية وحضارتهم الإسلامية .
وقد مضت تلك العصور الزاهية بما حققته من معرفة وما تركته من مآثرعليمة وآثار فكرية كانت محل اهتمام الأمم الغربية وموضع الاستفادة منها في نهضتهاالحاضرة ، فقد جرى تدريس عدة كتب عربية في مدارس الغربيين بعد أن تُرجمت إلى لغاتهم؛ لأنها تشتمل على علوم مهمة وثروة معرفية كانوا يفتقرون إليها في بداية نهضتهم ،وقد أصبحت تلك المؤلفات ركيزة لمنطلق الحضارة في بدايتها المبكرة ، فكانت أسماء بعضعلمائنا معروفة لدى الغرب أكثر مما هي معروفة لدى بعض المنتسبين إلى الأمة العربيةالمزدرين لكل ما ينتسب إلى أسلافنا من علم وفكر ، وكأن قد كُتب على الأمة العربيةالإسلامية في حاضرها أن تتجرد من ماضيها ، وهذه النظرة الجاحدة تعتبر وصمة عقوق منأبنائها المنتمين إليها بالنسبة المخالفين لها في الروح .
وذلك المخاض التاريخي الذي تولدت عنه نهضة معرفية عربية مما يؤكدأن تراثنا لا يقل عن أي تراث حضاري إذا وجد له سياج من أبنائه يحميه من الضياعويصونه عن الابتذال ، فلا يليق بنا أن نظل في موقفنا الحائر نقرع باب العصر فلايؤذن لنا بالدخول في معتركه ؛ لأننا أمة فرطت في ماضيها ولم تصنع حاضرها ، وبذلكفقدت وجودها في عصر يموج بالحركة السريعة ويزخر بالإنجازات الرائعة والقفزاتالباهرة ، ولن نلحق بركب التطور إلا إذا عادت الأمة إلى رشدها فاستلهمت ماضيهاالعلمي وجددت تاريهخا الحضاري وتحولت إلى واقع جديد في التطلع إلى الأمام والمساهمةفي دورة العصر ، فإنها بذلك تستطيع أن تُثبت وجودها وحيويتها وتحتفظ بمكانتها معبقائها مستمسكة بهويتها .
والمجتمعات الغربية مع تطورها السريع وإنجازها المتطور وتفوقهاغير المحدود فإنها – على اختلاف لغاتها وتعدد شعوبها وتنوع اتجاهاتها – ما زالتتحافظ على التراث الذي ورثته عن حضارات سابقة بقيت لها شواهد مماثلة في المتاحفومعالم بارزة في السياحة ، كما أنها ظلت محل الاهتمام الجماعي ممثلة في إصداراتحديثة وإخراج جديدة .
ويمكن لثقافتنا أن تتعايش مع الثقافات المعاصرة متى التفتنا إليهامن خلال رؤية موضوعية ، فنأخذ ما يضيف إلى ثقافتنا ولا يجرح هويتنا ، مطلوب منالأمة أن تحافظ على عقيدتها من أن تذوب ففي أي تيار وتلتزم بقيمها من أن تبتذلاتباعًا لأي تقليد ، وأن تحرص على إيقاظ ماضيها العلمي المتألق وتعمل على تجديدسجلها الحضاري والاندماج في العصر دون الوقوف على عتبة التاريخ أو الاكتفاءبالانزواء في عباءة الماضي ، ولن يرجع المجد الذي اندرس أو يعود الإشراق الذي أفلإلا بالتجاوب مع حركة العصر إلى جانب التمسك بالجذور ، فعلينا أن نرسم لنا هدفًانصل إليه ونشق طريقًا يقودنا إلى المجد ، ونصنع واقعًا يعلو بنا إلى واقع الأممالراقية ، ويضعنا على مستوى الشعوب المتفوقة .

م/ن

سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.